عيناها لامعتان ، وزورقي ابحر قرب شاطئ الكحل ، ولم يعد من يومه ، وكلما ادرت الشراع للعودة ، اصرت على البقاء ، وكأني قدري هو البقاء عندها.
تأتي في الصباح الباكر ، وقد انساب شعرها الجميل فوق كتفيها ، تحتار في حالك ، هل تُنسى مثل هذه ، لا تنسى ابدا ، وكأن شعرها الطويل المنساب ، الاسود ، كحال عينيها الواسعتين. عينان تسرقان قلبك. وتطبعان على روحك قصة حب. لا تغيب عنك طول النهار. هل قصص الحب تذوي وتموت. كثيرا نعم. قليلا لا. قصص الحب ، لا تتبدد مثل غيمة صيف ، وحبيبتي تأتيني عند المساء. شعرها الطويل الاسود المنساب على كتفيها ، يدعوك للسهر. اخاف ان اضع يدي في شعرها. وأتأمل وجهها الفاتن. روحها تعانق روحي. تتسلل كعادتها الى مساءاتي دون اذن او استئذان. وعطرها في غرفتي ، باق ، ولا يتبدد.
ها هي اثار اقدامي على شاطئ الكحل. مررت من هنا. ولا اثار لغيري. اثاري فقط. ما زالت اقدامي على الرمل ، وكأن مدها وجزرها ، هدوءها وغضبها ، تعمد ان تبقى اثار اقدامي. هل تزول اثار اقدام المحبين عن ضفاف من يحبون. في حالات كثيرة نعم. وقليلا لا. انا لااقف عند الضفاف. لحبيبتي شاطئ. والكحل الاسود يُغريني بأن اقول لها اني احبك. اقولها كل مساء. تزداد لمعة عينيها لمعانا ، وكأني ما ابحرت ، ولا غرقت ، في بحرها ، وكأني في العشق في يومي الاول ، بين يديها. للقلب على القلب خط واحد. وما كان بين القلب والقلب لا يزول. حبيبتي ليست كالنساء ، ولا ككل الامهات ، ولا العاشقات. متفردة هي بين النسوة. بكونها ليست كالنسوة ، ونون النسوة لديها لا تُعرب ، ولا تترجم ، ولا تُشّكل بضمة ولا كسرة.
اغُمض بعد طول سهر. يا لهذا السهر. شفتاها من ندى. وقلبي عطشان. اتقلب بين سؤال وجواب. اسمع "حنين" يدها يمتد الى جبيني. تقرأ الفاتحة على رأسي. هل اهذي هذا الصباح. ام فرط العشق ينساب من ندى صباحاتها الى نخلي وزيتوني وسيفي. امسك بمقبض السيف ، وكأني من بقايا كتيبة فرسان ، اختفت بين التلال. تقرأ المعوذات على رأسي ، وتقول انا بعيدة عنك ، وقريبة ، فاصبر فان اثار قدمك على شاطئ الكحل ، لم تزل ، ولن تزول. يتركني طيفها في هذا الصباح. اراها من بعيد تُجّدل شعرها. مالها والجدائل. احبها لان شعرها اسود طويل منساب. ترد من بعيد بضحكة مدوية. تقول ان جديلتي لك وحدك.
في المساء البارد تأتيني كمدللة. بيديها تحمل فنجاني قهوة ، دون سكّر. من خُلقت من سُكّر. لا حاجة لها لتحلية القهوة. يكفيك النظر في عينيها ، لينساب الندى المحلى من قلبها الى قلبك. تسكب القهوة. تجالسني تحت الزيتونة في الحديقة الامامية لبيتي. وتقول ما لي اراك قد طال بك السفر. لا ارد. لانها تعرف السر. هي السبب. ليتك تمكثين. فلست يا حبيبتي مثل كل النسوة. نون النسوة تنقلب عندها حروفا اخريات ، وبيدها البيضاء الناعمة كغدير صيفي ، تمسح وجهي ، وتقرأ ما تيسر. فتفر دمعة من عيني. دمعتي العذبة تسقط في البحر المالح ، ذات يوم ، فتحيله عذبا. هل تكفي دمعة عذبة واحدة ، لجعل البحر المالح عذبا. كثيرا لا. قليلا نعم.
حبيبتي لا تغيب. ليست ككل النسوة ، وليست كأي حبيبة ولا كأي ام. فيها سر خاص. تلمع عيناها ، واتذكر ان "القدس" عربية ، وستبقى عربية ، وان لا مكان في القلب لغيرها ، من سيدات وحبيبات وامهات.
ألم اقل لكم.. ان حبيبتي ليست ككل النساء.