بقلم:خالد الكساسبه
الجدل الدائر حاليا في الصحافة الاردنية حول غايات تحويل رئيس الوزراء سمير الرفاعي ملف مشروع توسعة(مصفاة البترول الاردنية ) الى محكمة امن الدولة يثير مجددا موضوعة الفساد في الاردن الذي عانى ولا يزال طوال السنوات الماضية من فضائح فساد كبرى لم تبدأ بفضيحة( بنك البتراء) في بداية الثمانينيات التي تورط فيها العراقي (احمد الجلبي) مع مسؤوليين كبار في النظام والحكومة في الاردن ولن تنتهي ب فضيحة مصفاة البترول مرورا بفضيحة (التسهيلات البنكية ) وبطلها مدير المخابرات الاسبق (سميح البطيخي) وغيرها من الفضائح .
لن ادخل في تفاصيل القضية ليس لانها منظورة امام القضاء وانما لغياب الشفافية لدى الحكومة في اطلاع المواطنين او الصحفيين عل تفاصيل القضية وهو الامر الذي لو حصل لمنع التقولات حول اسباب تقديم الرفاعي لهؤلاء للقضاء الاشاعات التي ملأت البلد ،كم انني لن ولا استطيع ان ادين اي من (اربعة المصفاة) ، كما انني لن ،ولا استطيع ان اجزم ببرائتهم في ظل شح المعلومات، ولكنني ساردد اللازمة التاريخية:" المتهم برئ حتى تثبت ادانته" رغم انه تجمعت لدي معلومات لم تنشرها الصحف بعد وهي معلومات اقل مما لدى المدعي العام بالتاكيد ،تجعلني اعرف ما ستؤول اليه الاحكام بالنسبة لكل واحد من الاربعة المتهمين.
ان كنت لا اود ان ادخل في تفاصيل القضية الا انني سادخل في مسألة الغايات من تحويل الملف لمحكمة أمن الدولة بعد ان بقي منذ حكومة نادر الذهبي في عهدة هيئة مكافحة الفساد وهي غايات شخصية تتعلق بعمل ثأري من قبل الرفاعي تجاه الاربعة الذين كانوا ضد الرضوخ لضغوطات كابيتال دبي باحالة عطاء مشروع توسعة المصفاة عليها بشروط ليست في صالح المصفاة وثلها الضغوطات التي مورست على مدير شركة الكهرباء احمد حياصات لسهيل حصول كابيتال دبي على شركة الكهرباء بدون الدخول في عطاء ومنافسة مع الشركات الاخرى وهو مار فضه حياصات فتمت احالته على التقاعد بمجرد دخول الرفاعي للدوار الرابع وهي مسالة اشرت اليها في مقالي (قانون الحذف والازاحة)، باختصار فالقضية كلها (حق اريد به باطل)، والا مامعنى فتح هذا الملف لوحده دون باقي الملفات وهي كثيرة.
وفي الحقيقة فان موضوعة الفساد في الاردن موضوعة قديمة بدات قبل فضيحة بنك البتراء ، ذلك ان غياب مؤسسة البرلمان عن البلد منذ اعلان حالة الطوارئ في اعقاب حرب تموز 1967وعدم وجود حريات صحفية جعل مسألة الكشف عن مثل هذه الملفات امرا شبه مستحيل.
واول مرة يلتفت فيها المواطن في الاردن الى مسالة الفساد كانت في عام 1984 عندما جاء(احمد عبيدات) رئيسا للوزراء ورفع شعار( من اين لك هذا؟) ، الذي سعى من خلاله الى الكشف عن مصادر ثروات المسؤولين في الاردن ، وهو ما ادى بالملك حسين الى اقالته رغم عدم مرور سوى بضعة اشهر على توليه الوزارة .
والى اليوم ورغم مرور 25 عاما على الشعار الذي طرحه عبيدات الا ان اي مسؤول يسعى الى الكشف عن ملف للفساد يفكر مليا قبل ان يعلن عن اهدافه واضعا مصير عبيدات نصب عينييه ، وان شذ عن هذه القاعدة بعد عدة سنوات (ليث شبيلات) الذي فتح تسعة ملفات للفساد دفعة واحدة بعد وقت قليل من انتخابه لبرلمان عام 1989 وهو الامر الذي ادى به الى السجن بتهمة اطالة اللسان بعد ان توسع في ملفاته ليطال العائلة المالكة نفسها ، وهو الامر نفسه الذي حدث ل (توجان فيصل) بعد عشر سنوات حيث تم زجها بالسجن بتهم مختلفة لانها تجرأت في كشف فساد حكومة (علي ابو الراغب) متهمة (القصر) بالتغطية على الفساد.
في اعقاب التحول الديمقراطي في الاردن ونتيجة ضغوط شعبية اقال الملك حسين (زيد الرفاعي) وهو اي الملك وان حاول تجنيب حليفه وصديقه اي محاكمة بتهمة الفساد الا انه وبضغط شعبي وافق على تقديم الرفاعي للمحاكمة وان كانت (محاكمة صورية) قررت فيها المحكمة عدم مسؤولية الرفاعي في اي شبهة فساد رغم توليه الحكومة خلال السنوات الخمس السابقة لهبة نيسان عام 1989 وتسليمه الراية لمن جاء من بعده بمديونية تجاوزت الستة مليارات.
بعد الرفاعي بخمسة عشر عاما كان الملك عبدالله وفي خطوة فريدة يقدم احد رجال الدولة للمحاكمة وهنا نعني ( سميح البطيخي) وهو وان تمت ادانته بتهم اختلاس اموال من بنوك تحت غطاء التسهيلات البنكية الا ان عقوبته لم تتجاوز اربعة سنوات يعتقد غالبية الشعب الاردني انه امضاها في فيلا خاصة في العقبة وليس في السجن.
ان سياسة الضرب بيد من حديد التي يطبقها (الدرك) والاجهزة الامنية في الاردن على المعارضين والمعتصمين لا تتوازى مع سياسة التهاون التي يبديها (الحكم )والحكومة في مسالة الفساد ومكافحته رغم وجود دائرة مكافحة الفساد التي تتبع دائرة المخابرات مباشرة والتي تم تاسيها منذ خمسة عشر عاما والتي تركز معظم اعمالها على انواع الفساد الصغرى مثل المحسوبية و استغلال المنصب والابتزاز وسوء استخدام المنصب من قبل عاملين صغار في القطاعين العام والخاص .
ان (الاردن الجديد) القائم على تحالف الطبقة السياسية مع طبقة رجال الاعمال لمقتضيات المصلحة اولا ولمقتضيات تتعلق بصلة القرابة بين الطبقتين بعد سيطرة (ابناء الذوات) والمسؤوليين السياسيين والمتنفذين على الحركة الاستثمارية في البلاد تجعل من عمليات الفساد تتم بصورة اسهل مما قبل رغم الأدعاءات بعمليات الاصلاح السياسي والاقتصادي ورغم التاكيدات الدائمة للملك بعدم وجود خطوط حمراء في مكافحة الفساد.
في تقرير لديوان المحاسبة في الاردن اعلن الديوان ان حجم الفساد في الاردن ادى الى خسارة البلد 50 مليونا بين عامي 2000-2006 وهو رقم اعتقد لو كان صحيحا لجعل الاردنيين يهللون فرحا لانهم يعتقدون بان عمليات الفساد انما كلفت البلد عشرات اضعاف هذا الرقم بل ان البعض يذهب الى ان الرقم يصل الى عدة مليارات ويعززون وجهة نظرهم بالتصاعد الدائم لحجم مديونية البلد الذي ارتفع من حوالي ستة مليارات عام 1989 الى حوالي 11 مليار اي تقريبا الضعف خلال عشرين عاما.
ان الاردن رغم ما يدعيه بالديمقراطية والشفافية لا يعلن سوى ميزانية الحكومة فقط فيما تبقى ميزانية (الديوان الملكي) و(المخابرات) و (الجيش)سرية لا يعرف احد بها ان وجد هناك ميزانية ذلك ان الاعتقاد السائد ان بند المصروفات في هذه المؤسسات الثلاث مفتوح ولا يخضع لاي اعتبارات او رقابة من اي جهة في البلاد.
لقد انتظر الاردن ثمانين عاما قبل ان يشرع قانون مكافحة الفساد في بلد يصنف دائما بانه في مراتب متقدمة على لائحة( منظمة الشفافية الدولية) فيما يتعلق بحجم الفساد ،وحتى عام 1996 لم يكن هناك اي مؤسسة في الاردن لمكافحة الفساد وان تم تاسيس ديوان المحاسبة قبل ذلك بكثير الا انه مؤسسة رقابية وليس (مكافحتية)- ان صح التعبير- .
ولان المسائل ترتبط ببعضها البعض فان وجود صحافة حرة وبرلمان منتخب بقوانين ديمقراطية وبلا تدخلات واحزاب فاعلة ونقابات قوية لهي الضمان الاكيد لمكافحة الفساد وبغير ذلك فان مهام دائرة مكافحة الفساد التابعة للمخابرات ستبقى تحوم نحو المهام التي قام بها طوال السنوات الماضية ( ديوان المحاسبة) وهي مهام ترتكز على متابعة الفساد دون التمتع بالقوة الكافية لايقافه ولعل في هذا لغرض معين يتعلق برغبة جهات عليا بعدم التطرق لمثل هذه الملفات.
او بعد كل هذا فانه لتبدو الاجابة على التساؤلات لماذا اصبح الوضع الاقتصادي في الاردن منحدرا الى هذه الدرجة ولماذا لا يزال يعيش معظم السكان (تحت خط الفقر) لتبدو اسهل بكثير من وضع حد لسرقة مال البلد الفقير الذي يعتاش على ( ازمات جيرانه) و (حوالات مغتربيه) و (مساعدات) من دول عربية واجنبية وهي مساعدات تحوم حولها ايضا الشبهات لانه لا يتم الاعلان عن الارقام الحقيقية لها كما انه تقتطع منها عمولات سرية لا يتم الاعلان عنها بالمطلق .
ان مايحدث في الاردن هي عمليه منهجيه قام بها (البرجوازيون) من اصحاب القرار الذين سيطروا على مفاصل البلد السياسية عبر استلامهم اعلى المناصب والمفاصل الاقتصاديه عبر تاسيس ابنائهم واقاربهم لشركات خاصة ادت الى تجذير الازمة الاقتصادية بدلا من اقتلاع مسبباتها بعد ان انتجت المنظومة السياسية الاردنية طبقة جديدة من (أثرياء الفساد) التي تحولت الى ذئاب تفترس ثروات البلاد وأموالها وتهمن على النشاطات الاقتصادية رغم ما نقرأ في الصحافة عن طرق مكافحه الفساد، وثقافة الفساد، وحالات الفساد الكبرى التي يتم اكتشافها.
ان الاردن اليوم وكما كان طوال التسعين عاما الماضية يقوم على (حكومات لا تحكم )و(برلمانات لا تراقب ولا تشرع) و(اعلام اعمى) او يدعي العمى فهو لا يمع ولا ير ولا هذا الاهم لا يتكلم و(احزاب هشة) باستثناء حزب الاخوان المسلمين الذي يتعرض لمضايقات الحكومة واعلامها في كل مرة يسعى فيه الى اقرار برامج اصلاحية سياسية او اقتصادية و(نقابات محاصرة) من قبل الحكومة و(سياسيون يتملقون الاقتصاديين) للحصول على عمولات سرية و(اقتصاديون يتقربون من السياسيين) للحصول على تسهيلات غير قانونية .
khaledkasasbeh@yahoo.com