أجمل رحلة هي أن تذهب إلى الكرك في الباص.
مزيج من البشر، طالبات جامعة يردن العودة إلى منازلهن، وعسكر أخذوا اجازات للتوّ.... وسيدة طاعنة في السنّ تراجع عيادة السكري في المدينة الطبية... وتحمل كميات هائلة من العلاج.. وفي الكرسي القريب من الباب سيدة أربعينية معها ابنها (فرحان)..
(فرحان) جلس بقربي وكان يتجول بين الكراسي.... ويقف على الشباك ولأنه أزعج والدته إلى حد كبير تلقى صفعة على الرأس.. وبعد كل تنبيه كانت تصرخ الوالد: (بس نوصل الكرك بورجيك).
فرحان لم تصل مشاغباته للركاب فقط.. لقد تسبب باحراج والدته حين اصر على ان تخرج (الهرايس) من حقيبتها.. وهي انصاعت لأمره، وحين أنهى التهامه لها شعر بالعطش.. وللاسف لا بد من الوقوف في (ضبعا) لشراء الماء لفرحان..
بعد ذلك خلع (البنطال) وكان لا بد من اقناعه بارتدائه وحين لم تفلح محاولات الركاب تلقى (قرصه) في الفخذ الايمن فانصاع للامر.
وتم اطلاق تنبيه ثان مفاده : (بس نوصل الكرك بفرجيك).
في منتصف الطريق وقبل وصول القطرانة اوهم (فرحان) الجميع بانه استسلم للهدوء ولكنه يريد ان يراقب الصحراء عبر شباك الباص... وفجأة لاحظ السائق ان الفتى قام برمي شيء من الشباك تبين لنا فيما بعد انه حذاء فرحان.. فاضطررنا للتوقف والبحث عن الحذاء وفي هذه المرة.. تلقى فرحان مجموعة من (القرصات) والصفعات المتتالية.. ولشدة حنق الوالدة عليه قامت بممارسة (العض) وأطلقت تنبيهها الثالث: (بس نوصل الكرك بورجيك).
مشينا والفتى مستمر في شغبه وفي لحظة من الهدوء عاد الى الصراخ: (بدي هرايس).. وتم التدخل من قبل احد الركاب وقدم (لفرحان) علبة (حلاوة).. كي يسلي بها نفسه وهذه المبادرة سببت حرجا لوالدته مما حدا به لاطلاق تهديد رابع مقترن بالعض على (الشفاه): (بس نوصل الكرك بفرجيك).
في نهاية المطاف وصلنا الكرك ونزل فرحان من الباص ونزلت انا والركاب.
لم تفعل (ام فرحان) شيئا لابنها ويبدو ان كل التهديدات المرتبطة بالوصول الى الكرك قد ذابت مثل الثلج.. اصلا لا احد يقوى ان يقول لاخر في الكرك (بفرجيك).. هي تمسح كل الذنوب عن اهلها.
الصحافة مثل الطريق الطويل والمتعب وانا مثل فرحان.. فأعذروني على الشغب.